تعویض الضرر الناشي عن الخطا في القصاص في الشریعة الا سلامیة

Transcription

1

2 الجامعة الا سلامیة- غزة عمادة الدراسات العلیا كلیة الشریعة والقانون قسم الفقه المقارن تعویض الضرر الناشي عن الخطا في القصاص في الشریعة الا سلامیة إعداد الطالب: طارق علي أبوعریبان إش ارف الدكتور: مؤمن أحمد شویدح قدم هذا البحث استكمالا لمتطلبات الحصول على درجة الماجستیر في الفقه المقارن من كلیة الشریعة والقانون في الجامعة الا سلامیة بغزة. ١٤٣٦ ه- ٢٠١٥ م

3

4 ق ال تعالى: إ ن أ ر يد إ ل ا ال إ ص ل اح م ا اس ت ط ع ت و م ا ت و ف يق ي إ ل ا ب الل ه ع ل ي ه ت و ك ل ت و إ ل ي ه أ ن يب } { سورة هود: من اآلية: 88. أ

5 إهداء إلى من تاقت له القلوب, واشتاقت لرؤيتهالعيون, إلى من كان منارة للهدىحبيبي وقدوتي محمد-صلى اهلل عليه وسلم-. إلى جسريالمحبة والمودة والعطاء والتضحية والفداء, إلى من ربياني صغيرا, إلى والدي العزيزين. إلى روادالفكر المستنير, إلى من كانوا مشاعل هدى للناس, إلى كلحملة الدعوة في كلالميادين. إلى مشايخنا وعلمائنا الذين كانوا منابعالتقوى والعلم. إلىجسر السكينة والرحمة, رفيقة الدرب, زوجتي مؤنسة وحشة طريقي, إلى ابني علي-. إلى من كان الطريق بهم شديد البهجة, إلى إخوتي وأخواتي. إلى كل من كان لي ناصحا وموجها وداعيا لي بالخير من إخوتي الذين لم تلدهمأمي. إليهم جميعا أهدي هذا الجهد المتواضع ب

6 شكر وعرف ان أحمد اهلل تعالى أن من علي وهيأ لي سبيل إتمام هذه الرسالة واخ ارجها في هذه الح ل ة التي أسأل اهلل تعالى أن يكتب لها التوفيق, فلله الحمد في األولى واآلخرة. واق ار ار مني ألهل الفضل بفضلهم علي, فإنني أتقدم بوافر الشكر والعرفان والتقدير إلى شيخي الدكتور/ فضيلة وأستاذي مؤمن أحمد شويدح. حفظه اهلل, بأن تكرم بقبول اإلش ارف على الرسالة, فأسدى لي نصحا, وبذل معي جهدا ووقتا, فج ازه اهلل خير الج ازء. وأتقدم بالشكر مقر بفضلهم إلى عضوي لجنة المناقشة: الدكتور/ األستاذ فضيلة مازن إسماعيل هنية-حفظه اهلل. فضيلة الدكتور/ شكري علي الطويل. -حفظه اهلل. أن تكرما بقبول مناقشة الرسالة. وال يسعني في هذا المقام إال أن أشكر جامعتي الغ ارء ممثلة برئيسها الدكتور: كمال كمالين شعت. والشكر موصول إلى كليتي, كلية الشريعة والقانون ممثلة بعميدها الدكتور: رفيق رضوان. وأشكر كذلك أساتذتي الذين ما ادخروا جهدا في نصحي حتى وصلت إلى إتمام هذا الجهد المتواضع. وأشكر كل من جاد علي بنصيحة أو حث أو دعم أو دعاء أو كلمة طيبة ذل لت لي الطريق. هذا واهلل ولي التوفيق وعليه الت كالن وعليه االعتماد, فما كان من توفيق فمن اهلل, وما كان من خطأ أو سهو فمن ي ومن الشيطان, واهلل ورسوله منه ب ارء. والحمد هلل رب العالمين ج

7 المقدمة المقدمة إن الحمد هلل نحمده, ونستعينه, ونستغفره, ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده اهلل فهو المهتد, ومن يضلل اهلل فلن تجد له وليا مرشدا, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. قال اهلل تعالى:}ي ا أ ي ه ا الن اس إ ن ا خ ل ق ن اك م م ن ذ ك ر و أ ن ث ى و ج ع ل ن اك م ش ع وب ا و ق ب ائ ل ل ت ع ار ف وا إ ن أ ك ر م ك م ع ن د الل ه أ ت ق اك م إ ن الل ه ع ل يم خ ب ير{ من األمور البديهية في الشريعة اإلسالمية أن اإلسالم دين ومنه الدولة, أي أنه جاء لينظم شئون الناس كافة, وخاصة فيما يتعلق بسياسة الناس باإلسالم, لذلك أوجب اهلل تعالى أن تكون هناك دولة تطبق أحكام اإلسالم على الناس, وأبرز جهة تقوم بتطبيق اإلسالم في الدولة هي القضاء, لذلك اعتنى اإلسالم بالقضاء عناية كبيرة, وبين كل ما يتعلق بالقضاء, فبين حكمه وخطره وفضله وأدبه وصفة الحكم فيه والدعاوى والبي نات وغيرها, وذلك لخطورة هذا المنصب. ومن أخطر المسائل التي يتعرض لها القضاء في الشريعة اإلسالمية القصاص, سواء كان في النفس أو فيما دون النفس, لما له من أثر بالغ في حفظ النفس, حيث يعتبر من أهم مقاصد الشريعة اإلسالمية بعد حفظ الدين. لكن اإلسالم لم يعتبر الدولة اإلسالمية ومنها القضاء دولة مالئكية ال تخطئ, فالدولة اإلسالمية دولة يقودها مجموعة من البشر, والبشر من طبيعتهم أنهم يصيبون ويخطئون, فع ن ق ت اد ة ع ن أ ن س, ق ال : ق ال ر س ول الل ه - ال خ ط ائ ين الت و اب ون " و س ل م ص ل ى الل ه ع ل ي ه ويدخل في عموم الحديث الحكام والقضاة. -: "ك ل ب ن ي آد م خ ط اء, و خ ي ر لكن اإلسالم وبرغم أنه رفع اإلثم عن الخطأ, كحديث ا بن ع ب اس: أ ن ر س ول اهلل-صلى اهلل عليه وسلم- ق ال : "إ ن اهلل ت ج او ز ع ن ( 1 ) الحج ارت: اآلية.11 سنن ابن ماجه, كتاب: أبواب الزهد, باب: ذكر التوبة, 121/5, رقم: 1251,, المستدرك: الحاكم, ) 2 ( 251/9, وقال كتاب التوبة واإلنابة, 272/1, رقم: 7117, صحيح وضعيف سنن ابن ماجه: األلباني األلباني عنه: حسن. د

8 المقدمة أ م تي ال خ ط أ و الن س ي ان و م ا است ك ر ه وا ع ل ي ه " إال أن رفع اإلثم ال يعني رفع الحكم, فاهلل تعالى رتب على األخطاء أحكاما, فمن قتل خطأ رغم أنه ال يأثم على قتله, إال أنه يجب دفع عليه الدية, ومن أتلف شيئا من م لك غيره خطأ فعليه ضمانه, وغيرها من األحكام المبسوطة في كتب الفقه. ومن المسائل التي قد يتم الوقوع في الخطأ في تنفيذها "القصاص", والخطأ في القصاص يعتبر مسألة خطيرة ألنه قد تزهق فيها األرواح خطأ, فكان ال بد من الوقوف على أحكام تعويض األض ارر الناشئة عن الخطأ في القصاص في هذه الرسالة, والتي عنوانها: "تعويض الضرر الناشئ عن الخطأ في القصاص في الشريعة اإلسالمية" أهمية البحث: حظي مبدأ التعويض في الشريعة اإلسالمية بالبحث والتنقيب قديما وحديثا, لما له من قيمة كبيرة في حفظ حقوق العباد في واقع اختالف المصالح وتعارضها, مما جعل حدوث الضرر الناتج عن تباين هذه المصالح أم ار واقعا ال محالة, فعند حدوث الضرر كان التعويض بلسما شافيا تحفظ به الحقوق, والخطأ ليس م هد ار لحقوق العباد. وأيضا يكتسب الموضوع أهمية كبيرة في أنه: تقع من 1- يعالج قضية خطيرة, وهي قضية أخطاء أخطر جهة تطبق األحكام في الدولة, وهي القضاء. ( 1 ) المعجم األوسط: الطب ارني, باب األلف, من اسمه أحمد 71/1, رقم: 2117, السنن الكبرى: البيهقي, كتاب: الخلع والطالق, باب: ما جاء في طالق المكره, 581/7, رقم: 15091, صحيح ابن حبان, كتاب: إخباره عن مناقب الصحابة, باب: فضل األمة 202/11, رقم: 7219, وقال شعيب األرنؤوط في تعليقه على الحديث في صحيح ابن حبان: "إسناده صحيح على شرط البخاري, رجاله ثقات رجال الشيخين غير بشر بن بكر, فمن رجال البخاري" وقال عنه األلباني في اإلرواء 82: صحيح. ه

9 المقدمة 2- يسلط الضوء على مدى مشروعية التعويضات في أخطاء القصاص في النفس وما دون النفس. 3- يبين مدى نقض حكم القاضي بثبوت الخطأ. مشكلة البحث: مبدأ التعويض في الشريعة اإلسالمية مبدأ أصيل ألنه يكفل حفظ حقوق العباد من اإلهدار, والقضاء في الدولة هو الجهة المخولة شرعا في تنفيذ األحكام, فأن يكون الضرر ناشئا عن خطأ القضاء يجعل األمر أكثر تعقيدا, فتتمحور إشكالية البحث في مدى التعويض لألض ارر الناشئة عن الخطأ في تنفيذ القصاص من قبل القضاء. أسئلة البحث: مدى مشروعية التعويضات عن الضرر الناشئ عن الخطأ في تنفيذ القصاص الجهة الملزمة بالتعويض عن هذه األض ارر الناشئة عن خطأ القضاء 1- ما 2- من 1- هل ينقض حكم القاضي بثبوت الخطأ 1- ما شروط الخطأ في القصاص الموجب للتعويض فرضيات البحث: نستطيع أن نضع فرضية للبحث وهي: إن اإلسالم رغم أنه أعطى الدولة والقضاء صالحية تطبيق األحكام في الدولة, إال أن هذا الصالحية مقيدة بالشرع, والشرع حرم إيقاع الضرر على أحد رعايا الدولة بغير وجه حق, فإذا وقع الضرر خطأ فإن اإلسالم أوجب التعويض فيما يمكن فيه التعويض, والدولة ليست فوق الشرع, بل تستمد أحكامها وقوانينها منه, فال يهدر حق الناس من الدولة ولو كان خطأ. و

10 المقدمة أهداف البحث: التعويض عن األض ارر الناشئة عن األخطاء في القصاص. 1- بيان مشروعية 2- بيان الجهة المخولة شرعا بالتعويض عن هذه األض ارر. 1- إب ارز دور القضاء في تصحيح األخطاء التي تقع منه. نشأت عن خطأ في القصاص, والتي توجب 1- تسليط الضوء على طبيعة األض ارر التي التعويض. توجب التعويض بعد القصاص. 5- بيان شروط األخطاء التي 1- بيان مقدار التعويض الناشئ عن األخطاء في القصاص. نطاق وحدود البحث: من المعلوم أن مبدأ التعويض في الشريعة اإلسالمية مبدأ واسع, والعقوبات في الشريعة اإلسالمية تشمل الحدود والقصاص والتعزير, لذلك تقتصر هذه الرسالة على أحكام التعويضات عن األض ارر الناشئة عن الخطأ في تنفيذ القصاص, وقيود التعويض عن هذه األض ارر. منهج البحث: اعتمدت الد ارسة على: الوصفي: من خالل الوقوف على بيان الصور التي يقع فيها الضرر في تنفيذ 1- المنهج القصاص خطأ. 2- المنهج االستق ارئي: من خالل استق ارء آ ارء الفقهاء القدامى والمعاصرين في القضايا المتعلقة بوجوب التعويض في األخطاء في تنفيذ القصاص. ز

11 المقدمة 1- المنهج التحليلي النقدي: من خالل تحليل آ ارء الفقهاء ونقدها وبيان ال ارجح منها, ووجه رجحانها. وسيعتمد الباحث المنهجية التالية في كيفية التوثيق: 1. الرجوع إلى المصادر األصلية, باإلضافة إلى الكتب الحديثة, مع الت ازم الدقة في العزو والتوثيق. عزو اآليات إلى سورها, بذكر اسم السورة ورقم اآلية. تخريج األحاديث من مظانها, وعزوها إلى مصادرها مع بيان حكم العلماء فيها, باستثناء.2.1 ما أخرجه البخاري ومسلم أو أحدهما. 1. إذا استشهدت بكالم عالم بنصه ميزته بعالمة تنصيص" هكذا", ثم بعدها أذكر اسم الكتاب وبعده اسم المؤلف ثم رقم الجزء إن كان مكونا من مجلدات ثم ذكر رقم الصفحة. واذا كان النقل بالمعنى ال أضعه بين عالمتي تنصيص إذا ذكرت اسم المؤلف في المتن فال أذكره في الحاشية السفلية. وسيكون في خاتمة البحث فهرس لآليات, وفهرس لألحاديث, وفهرس لآلثار, وفهرس للم ارجع, وفهرس للموضوعات. هيكلية البحث: قمت بتقسيم البحث إلى ثالثة فصول وخاتمة: الفصل األول: مفهوم الخطأ والضرر وعالقة السببية والتعويض في الشريعة اإلسالمية المبحث األول: الخطأ. مفهوم المبحث الثاني: المبحث الثالث: مفهوم الضرر. عالقة السببية. المبحث ال اربع: مفهوم التعويض. ح

12 المقدمة الثاني: الفصل تعويض الضرر الناشئ عن الخطأ في القصاص في النفس. المبحث األول: مفهوم القصاص في النفس. المبحث الثاني: صور الخطأ في قصاص النفس وتقديره. المبحث الثالث: المبحث ال اربع: الجهة المسئولة عن تعويض الضرر. خطأ استيفاء القصاص بدون إذن اإلمام والتعويض عنه. الفصل الثالث: تعويض الضرر الناشئ عن الخطأ في القصاص فيما دون النفس. األول: المبحث مفهوم القصاص فيما دون النفس. المبحث الثاني: صور الخطأ في القصاص فيما دون النفس الموجب للتعويض. المبحث الثالث: كيفية تقدير الخطأ في القصاص فيما دون النفس وتعويضه. الخاتمة: وفيها أهم النتائج والتوصيات. الد ارسات السابقة: لم أقف في حدود ما اطلعت عليه على كتاب أو رسالة يفرد البحث عن تعويض الدولة عن الضرر الناشئ عن األخطاء في تنفيذ القصاص, وان كان هناك رسائل تتكلم عن أحكام ضمان الدولة, مثل: 1- ضمان الدولة للضرر في الفقه اإلسالمي, إسماعيل بن مهدي أحمد الحسني, بإش ارف األستاذ الدكتور عطية صقر, وقدمت لجامعة أم القرى لنيل درجة الماجستير سنة 1110 ه, فهو تكلم عن ضمان الدولة بشكل عام لألض ارر, ولم يوضح أحكام تعويض األض ارر الناشئة عن األخطاء في تنفيذ القصاص. 2- مسؤولية القاضي عن الضرر الناشئ عن التقاضي في الفقه اإلسالمي, عبد اهلل النفسية بإش ارف الدكتور: محمد المدني بوساق, قدمت لجامعة نايف للعلوم األمنية لنيل ط

13 المقدمة درجة الماجستير, وهذه الرسالة تحدثت عن الضرر الناشئ عن التقاضي, ولم تتكلم عن أحكام الخطأ في تنفيذ القصاص, هل يترتب عليها تعويض أم ال وهناك كتب كثيرة تكلمت عن أحكام الضمان ونظريات الضمان بشكل عام مثل: 1- مجمع الضمانات, أبو محمد غياث الدين غانم البغدادي ) 1010 ه(. 2- الضمان في الفقه اإلسالمي, الشيخ علي الخفيف. 1- نظرية الضمان, وهبة الزحيلي. 1- نظرية الضمان في الفقه اإلسالمي, د.محمد فيض اهلل. 5- ضمان العدوان في الفقه اإلسالمي, د.محمد الس ارج. 1- ضمان عث ارت الطريق, د.أحمد الغ ازلي. 7- ضمان المنافع, د.إب ارهيم فاضل الدبو. ولم أقف على أي بحث يتناول هذا العنوان. ي

14 الفصل األول: مفهوم الخطأ والضرر والتعويض في الشريعة اإلسالمية. ويشتمل على أربعة مباحث: المبحث األول: المبحث الثاني: المبحث الثالث: مفهوم الخطأ. مفهوم الضرر. عالقة السببية. المبحث ال اربع: مفهوم التعويض.

15 الفصل األول مفهوم الضرر والخطأ والتعويض في الشريعة اإلسالمية المبحث األول: مفهوم الخطأ. ويتضمن على ثالثة مطالب: المطلب األول: حقيقة الخطأ. المطلب الثاني: أنواع الخطأ. المطلب الثالث: مسؤولية المخطئ عن خطئه. 2

16 الفصل األول مفهوم الضرر والخطأ والتعويض في الشريعة اإلسالمية المطلب األول: حقيقة الخطأ. الفرع األول: الخطأ لغة: الخطأ في أصل اللغة هو مجاوزة الصواب, سواء بقصد أو بدون قصد. ويطلق على عدة معا ن, منها : الذنب, ومنه قوله تعالى: }ق ال وا ي ا أ ب ان ا اس تغ فر لنا ذنوبنا إ ن ا ك ن ا خاطئين{ عدم إصابة الهدف, فالسهم الذي لم يصب هدفه هو سهم خاطئ أو خطئ, وفي المثل: )من الخواطئ سهم صائب( فيطلق م ار ار ويصيب مرة. 1- ما لم يتعمد من الفعل, ومنه الحديث: "إ ن اهلل ت ج او ز ع ن أ م تي ال خ ط أ و الن س ي ان و م ا است ك ر ه وا ع ل ي ه ". الفرع الثاني: الخطأ اصطالحا : التعريف االصطالحي للخطأ ال يخرج عن المعنى اللغوي من كونه مجاوزة للصواب, سواء بقصد أو بدون قصد, وقد ذكر العلماء تعريفات للخطأ, أذكر منها:. )5( التعريف األول: عرفه الجرجاني:" هو ما ليس لإلنسان فيه قصد" )7( وقريب من تعريف الجرجاني عرفه ابن نجيم الحنفي وابن رجب الحنبلي. 207/7, مختار الصحاح: ال ارزي 181/11, لسان العرب: ابن منظور 15/1, تاج العروس: ( 1 ) تهذيب اللغة: األزهري 15/1, تاج العروس: الزبيدي 212/1, المعجم الوسيط: مجمع اللغة العربية بالقاهرة 212/1. ( 2 ) تهذيب اللغة: األزهري 207/7, مختار الصحاح: ال ارزي 181/11, لسان العرب: ابن منظور الزبيدي 212/1, المعجم الوسيط: مجمع اللغة العربية بالقاهرة 212/1. ( 1 ) يوسف: اآلية.97 ( 1 ) مر تخريجه في المقدمة. ( 5 ) التعريفات.99/1 ( 1 ) انظر: البحر ال ارئق 129/8. ( 7 ) انظر:جامع العلوم والحكم.117/2 3

17 الفصل األول مفهوم الضرر والخطأ والتعويض في الشريعة اإلسالمية. التعريف الثاني: وعرفه البابرتي: " هو تحقق الجناية في إنسان مخالف لظن الجاني" و يالحظ على تعريف البابرتي أنه عرف الخطأ الجنائي. التعريف الثالث: البن عبد البر حيث عرف الخطأ بأنه: "كل ما وقع من فاعله من غير قصد وال إ اردة" ويالحظ على التعريفات أنهم قصدوا بالخطأ انتفاء القصد واإل اردة, والمقصود في الخطأ في الرسالة أشمل من هذا التعريف, من كونه مجاوزة للصواب. الفرع الثالث: األلفاظ ذات العالقة. أوال : الغلط. الغلط لغة: أن تعيا بالشيء فال تعرف وجه الصواب فيه, وفي اصطالح الفقهاء: تصور الشيء على خالف ما هو عليه. الفرق بين الخطأ والغلط: التشابه أوال : بين الغلط والخطأ. الغلط والخطأ يتحقق فيهما مجاوزة الصواب, فمن أخطأ في هدفه يكون جاوز الصواب, ومن غلط يكون أيضا جاوز الصواب. ثانيا : االختالف بين الغلط والخطأ. قال أبو هالل العسكري:" أن الغلط هو وضع الشيء في غير موضعه ويجوز أن يكون صواب ا في نفسه )5( والخطأ ال يكون صواب ا على وجه". وذكر الدسوقي فرقا ثانيا وهو: أن الغلط متعلق باللسان, والخطأ بالجنان. ( 1 ) العناية شرح الهداية.217/10 ( 2 ) الكافي.1101/2 ( 1 ) تاج العروس: الزبيدي.517/19 ( 1 ) شرح مختصر خليل: الخرشي 122/7. ( 5 ) الفروق اللغوية: العسكري.55/1 4

18 الفصل األول مفهوم الضرر والخطأ والتعويض في الشريعة اإلسالمية وذكر العسكري فرقا ثالثا وهو: "الغلط أن يسهى ترتيب الشيء وأحكامه, والخطأ أن يسهى عن فعله, أو أن يوقعه من غير قصد له ولكن لغيره". ونخل ص من هذا الكالم إلى ثالثة فروق بين الغلط والخطأ, وهي: 1- الغلط باإلمكان أن يكون صوابا, أما الخطأ فال يمكن أن يكون صوابا. 2- الغلط متعلق بزالت اللسان, أما الخطأ فمتعلق بأعمال الجوارح )الجنان(. 1- الغلط سهو في الشيء وأحكامه, أما الخطأ فهو سهو عن الفعل أو أن يوقعه من غير قصد له, إنما لغيره. ولكن في الحقيقة عندما ننظر في استخدامات الفقهاء للفظ الغلط والخطأ نجدهم كثي ار ما يستخدمون اللفظين في محل بعضهما البعض. ثاني ا: اإلك اره. اإلك اره لغة: الجبر على الشيء و التلجئة, وفي اصطالح الفقهاء: )5( قول أو فعل. الفرق بين اإلك اره والخطأ: أوال : التشابه بين اإلك اره والخطأ. هو حمل الغير على ما ال يرضاه من اإلك اره فيه مجاوزة للصواب, بحيث إن المكر ه يجبر على القيام بفعل ال يريد القيام به, فمن هذا الوجه يوجد توافق بين اإلك اره والخطأ. ثانيا : االختالف بين اإلك اره والخطأ. ( 1 ) الشرح الكبير: الدردير وحاشية الدسوقي 112/2. ( 2 ) الفروق اللغوية: العسكري.55/1 ( 1 ) منهاج الطالبين: النووي 115/2, المهذب: الشي ارزي 211/1, المغني: ابن قدامة 122/7. القاموس المحيط: الفيروز آبادي 52/1, تاج العروس: الزبيدي 151/10, المعجم الوسيط: مجمع اللغة العربية ) 1 (.105/1 ( 5 ) الدر المختار: الحصفكي 101/1, الموسوعة الفقهية الكويتية 110/19. 5

19 الفصل األول مفهوم الضرر والخطأ والتعويض في الشريعة اإلسالمية المكر ه وصل إلى حد االضط ارر, وصار نسبة الفعل إليه نسبة غير حقيقية, فهو كاآللة في يد المكر ه, فهو في حالة االضط ارر فاقد اإل اردة, أما إذا لم يصل حالة االضط ارر فإنه ال يفقد اإل اردة, والمكره ال يفقد التكليف. أما المخطئ فإنه ال يفقد اإل اردة وانما يفقد القصد, أو يتحقق القصد لكن يختلف المحل الم ارد, والمخطئ غير مكلف فيما أخطأ فيه. ثالثا : النسيان والسهو. النسيان لغة: فقد الذاكرة أو كثرة الغفلة, والسهو لغة: الغفلة والذهول عن الشيء. والنسيان اصطالحا : عدم استحضار صورة الشيء في الذهن وقت الحاجة إليه, والسهو اصطالحا : هو )5( الذهول عن الشيء, بحيث لو نبه له أدنى تنبيه لتنبه. والمالحظ على تعريف النسيان والسهو يجد أنهما يكادان يتطابقان, قال ابن عابدين:" ففي شرح التحرير البن أمير حاج: ذهب الفقهاء واألصوليون وأهل اللغة إلى عدم الفرق". )7( وقال ابن نجيم:" واختلفوا في الفرق بين السهو والنسيان والمعتمد فإنهما مت اردفان" وذ كر لهما فرقا, وهو: أن السهو لو نبه له يتذكر ألنه موجود في الحافظة, أما النسيان فإنه ال يتذكر حتى لو تم التنبيه ألنه ازل )8( من الحافظة ويحتاج لسبب حتى يتذكر. ( 1 ) نهاية السول شرح منهاج الوصول: اإلسنوي 51/1 ( 2 ) تاج العروس: الزبيدي 920/2. ( 1 ) المعجم الوسيط: مجمع اللغة العربية 159/1. ( 1 ) شرح مختصر خليل: الخرشي 107/1, الموسوعة الفقهية الكويتية 112/7. ( 5 ) الشرح الكبير: الدردير وحاشية الدسوقي 271/1. ( 1 ) رد المحتار على الدر المختار: ابن عابدين 111/1. ( 7 ) األشباه والنظائر: ابن نجيم 259/1. ( 8 ) رد المحتار على الدر المختار: ابن عابدين 159/1. 6

20 الفصل األول مفهوم الضرر والخطأ والتعويض في الشريعة اإلسالمية والعالقة بينهما)النسيان والسهو( وبين الخطأ أن النسيان والسهو موصالن ومؤديان إلى وقوع الخطأ, أي أنهما سببان من أسباب الخطأ. اربعا : الغفلة والذهول. الغفلة لغة: غفل عن الشيء غفوال وغفلة سها من قلة التحفظ والتيقظ والشيء, وتركه إهماال من غير نسيان, والذهول لغة: هي الغفلة عن الشيء, أو تركك للشيء تنساه على عمد, والمعنى االصطالحي ال يخرج عن المعنى اللغوي, والناظر في تعريف الغفلة والذهول يجد أنهما أيضا يكادان يكونان متطابقين, ففي معاجم اللغة تجد كثي ار ما يعرفون الغفلة بالذهول عن الشيء, كما ذكرنا في تاج العروس. وهناك من اعتبر النسيان والسهو والغفلة والذهول بمعنى واحد, والحقيقة أننا نجد اختالفا بينها, فيكاد النسيان والسهو يكونان متطابقين, والغفلة والذهول يكادان يكونان متطابقين. واذا أردنا أن نحدد العالقة بينها وبين الخطأ نجد أن المصطلحات األربعة) النسيان والسهو والغفلة والذهول( كلها من أسباب الخطأ, وهذه هي العالقة بينها وبين الخطأ. خامسا : الهزل. الهزل لغة: نقيض الجد وهو )5( الهذيان واسترخاء الكالم, وفي اصطالح الفقهاء هو: هو أن ي ارد بالشيء ما ال يوضع له وال صلح اللفظ له استعارة, وهناك تعريف آخر وهو: أن ال ي ارد باللفظ وداللته المعنى )7( الحقيقي وال المجازي بأن ال ي ارد به شيء أو ي ارد به ما ال يصح إ اردته به. ( 1 ) الموسوعة الفقهية الكويتية.110/19 ( 2 ) تاج العروس: الزبيدي.157/2 ( 1 ) تاج العروس: الزبيدي 18/29 و 109/10. ( 1 ) الموسوعة الفقهية الكويتية.110/19 ( 5 ) تاج العروس: الزبيدي 111/11, المعجم الوسيط: مجمع اللغة العربية 985/2. ( 1 ) حاشية الجمل على شرح المنهج: العجيلي المشهور بالجمل 1/1. ( 7 ) تيسر التحرير: أمير بادشاه 290/2. 7

21 الفصل األول مفهوم الضرر والخطأ والتعويض في الشريعة اإلسالمية الفرق بين الهزل والخطأ: نجد أن كال من الهزل والخطأ هما من العوارض المكتسبة لدى اإلنسان, إال أن المخطئ ال قصد له في اللفظ وال في حكمه, أما الهازل فإنه يقوم بالفعل والقول ارضيا للفظه دون الرضا لحكمه. فيه. المطلب الثاني: أنواع الخطأ. الخطأ عند فقهاء المسلمين نوعان: النوع األول: الخطأ في الفعل. وهو أن يقصد فعال فيصدر منه فعل آخر, ويشترط في الخطأ في الفعل أن يصدر عنه فعل خالف الذي قصده, كأن يسقط من يده خشبة أو لبنة فقتلت رجال, ففي هذا المثال يتحقق الخطأ في الفعل وال قصد النوع الثاني: الخطأ في القصد. هو أن يقصد بفعله شيئا فيصادف فعله غير ما قصد, ويشترط أن يتحد المحل المقصود, كأن يرمي من يظن دمه مباحا كيهودي محارب فإذ به مسلم أو ذمي معصوم الدم. والفرق بين النوعين السابقين اختالف المحل, ففي النوع األول صدر منه فعل لمحل قصده فأصاب غير المحل الذي قصد فكان الخطأ في الفعل لكن في النوع الثاني اتحد المحل لكن اختلفت اإل اردة والقصد, فقد كان يقصد أم ار فإذ باألمر على خالف قصده وم ارده. وهناك من ذكر نوعا ثالثا للخطأ, وهو الخطأ في القول وفي الحقيقة, هذا النوع من الخطأ لم أقف عليه عند الفقهاء القدامى, وال حتى الفقهاء المعاصرين إال ضمن مرجع واحد, ولعل عدم التفات الفقهاء لهذا النوع أنه ال ينبني عليه حقوق ج ازئية. 8 ( 1 ) تيسير التحرير: أمير باد شاه 107/2. ( 2 ) حاشية ابن عابدين.95/7 ( 1 ) بدائع الصنائع: الكاساني 271/7, مدونة اإلمام مالك والحكم: ابن رجب الحنبلي 117/2. 108/11, تحفة المحتاج: ابن الملقن 177/8, جامع العلوم

22 الفصل األول مفهوم الضرر والخطأ والتعويض في الشريعة اإلسالمية المطلب الثالث: مسؤولية المخطئ عن خطئه. الفرع األول: حقيقة المسؤولية. أوال : المسؤولية لغة. المسؤولية في اللغة تطلق على المؤاخذة, وتطلق على عدة معان, كالطلب, واالستخبار وطلب المعرفة, والمحاسبة, واالستعطاء أي طلب المعروف. ثانيا : المسؤولية اصطالحا. بعد الرجوع إلى كتب الفقهاء القدامى لم أقف على استخدام مصطلح المسؤولية في تحمل الشخص آثار تصرفاته, وانما استخدموا مصطلح األهلية, كأهلية الشخص لتحمل آثار تصرفاته, فاالستخدام الفقهي القديم للمسؤولية هو األهلية, ومصطلح المسؤولية هو من المصطلحات الحديثة, والعلماء المعاصرون هم من وقفوا على تعريفه, فنجد أن التعريفات ال تخرج عن ثالثة تعريفات: مؤاخذة المكلف بتبعات تصرفاته غير المشروعة. المساس بالحق الشرعي بما يوجب الزجر أو الجبر. )5( ضمان الضرر الواقع بالغير, نتيجة لتصرف قام به والتعريف الثالث للمسؤولية هو الذي يتناسب مع بحثنا ألننا نتكلم عن ضمان المخطئ عن ضرره الذي تسبب به في القصاص. ( 1 ) المسؤولية الجنائية عن خطأ التطبيب: د. مازن مصباح صباح و أ. نائل محمد يحيى, ضمن مجلة الجامعة اإلسالمية للد ارسات اإلسالمية, المجلد العشرون, العدد الثاني 109. ( 2 ) تهذيب اللغة: األزهري 17/11, تاج العروس: الزبيدي 157/29, لسان العرب: ابن منظور 1901/21. موانع المسؤولية الجنائية في الشريعة اإلسالمية والتشريعات الج ازئية العربية: مصطفى الزلمي 1, العقيدة واألخالق ) 1 ( وأثرها في حياة الفرد والمجتمع: محمد بيصار 218. ( 1 ) مسؤولية القاضي عن الضرر الناشئ عن التقاضي في الفقه اإلسالمي: عبد اهلل النفيسة 9. ( 5 ) معجم لغة الفقهاء: محمد رواس

23 الفصل األول مفهوم الضرر والخطأ والتعويض في الشريعة اإلسالمية الفرع الثاني: عالقة المسؤولية باألثر المترتب عن الخطأ. بإمكاننا أن نقوم بتقسيم مسؤولية المخطئ عن خطئه إلى قسمين: القسم األول: المسؤولية األخروية عن الخطأ. ال شك أن المخطئ غير مؤاخذ في اآلخرة عن خطئه الذي أخطأ فيه إذا كان الخطأ بمعنى انتفاء القصد لذلك ال تقع عليه عقوبة أخروية نتيجة لخطئه, وذلك لقوله تعالى: }و ل ي س ع ل ي ك م ج ن اح ف يم ا أ خ ط أ ت م ب ه و ل ك ن م ا ت ع م د ت ق ل وب ك م { ولحديث النبي صلى اهلل عليه وسلم-"إ ن اهلل ت ج او ز ع ن أ م تي ال خ ط أ و الن س ي ان و م ا است ك ر ه وا ع ل ي ه " والعلماء يكاد يكونون مطبقين على أن المقصود هو رفع اإلثم عن المخطئ, يقول الصنعاني:" والحديث دليل على أن األحكام األخروية من العقاب معفوة عن األمة المحمدية إذا صدرت عن خطأ, أو نسيان, أو إك اره". لكن ما يترتب على الخطأ من أحكام كالديات وأحكام التعويض, فإن المرء إن لم يلزمها فإنه يؤاخذ بها يوم القيامة, ويكون آثما إن قصر فيها, قال أبو محمد العيني:" ق وله: )ال خ ط أ و الن س ي ان(, أ ي: حكمهم ا ف ي حق اهلل ال ف ي ح ق وق ال عباد, أل ن ف ي ح قه عذ ار ص الحا لسقوطه, ح ت ى قيل إ ن الخاطىء ال ي أ ث م, ف ال ي ؤ اخذ وجب ضم ان ال عدوان على الخاطىء ب ح د و ال قصاص. و أما ف ي ح ق وق ال عباد ف لم ي ج ع ل عذ ار ح ت ى )5( ض م ان م ال ال ج ز اء فعل, و و ج ب ب ه ". أل ن ه فالعيني رحمه اهلل فرق بين حق اهلل فال يؤاخذ المرء بخطئه يوم القيامة بإثم إن كان حقا هلل تعالى, وبين الخطأ في حقوق العباد فإن جانب اإلثم فيها يسقط, أما جانب الحق فال يسقط إال بأدائه أو إب ارئه, فإن لم يؤد حقه الذي عليه استحق اإلثم من اهلل تعالى ليس على خطئه, وانما في عدم أداء ما ترتب على خطئه. القسم الثاني: المسؤولية الدنيوية عن الخطأ. ( 1 ) األح ازب: اآلية.5 ( 2 ) سبق تخريجه في المقدمة. 87/11, نيل فتح الباري شرح صحيح البخاري : ابن حجر العسقالني 102/1, عمدة القاري شرح صحيح البخاري ) 1 ( األوطار: الشوكاني 118/2, مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: المباركفوري 171/1. ( 1 ) سبل السالم.259/2 ( 5 ) عمدة القاري شرح صحيح البخاري 87/11. 01

24 الفصل األول مفهوم الضرر والخطأ والتعويض في الشريعة اإلسالمية وهذا النوع من المسؤولية هو مجال التعويض, فإن قلنا: إنه ال يوجد مسؤولية دنيوية عن خطأ المخطئ فال يكون هناك داع للخوض في كل هذا البحث ألن التعويض عن الخطأ هو من المسؤولية الدنيوية, وقد أثبتنا أن المسؤولية التي تسقط هي المسؤولية األخروية فقط, أما المسؤولية الدنيوية تبقى معلقة في رقبة المكلف إن تعلق بها أحكام وحقوق, فيكون لنا ميدان نبحث فيه. والناظر في مسؤولية المخطئ عن خطئه يجد لها العديد من األحكام, وهنا أذكر مجموعة من األحكام العامة من غير الدخول في التفصيالت ألن تفصيالتها موجودة في كتب الفقه, وهي: أوال : الخطأ ال ينافي األهلية بنوعيها, سواء أهلية الوجوب والتي هي صالحية اإلنسان لوجوب الحقوق المشروعة له وعليه, أو أهلية األداء والتي هي صالحية اإلنسان لصدور الفعل منه على وجه يعتد به ألن العقل شرعا موجود معه, والجناية فيه من جهة عدم التثبت, ولذا يؤاخذ به من هذه الجهة, فال تقدر العقوبة فيه بقدر الجناية نفسها, وانما بقدر عدم التثبت الذي أدى إلى الخطأ يعتبر مخففا ثانيا : في الجنايات, فالجناية هي حصولها. كل فعل محظور يتضمن ضر ار على النفس أو غيرها, فمثال في القتل الخطأ تعتبر الجناية مخف ف ة بسبب الخطأ في عدة أمور, منها: 1- ال يجب القصاص على من قتل خطأ, فالذي يقتل عمدا يجب في حقه القود, لقوله }ي ا أ ي ه ا تعالى: ال ذ ين آم ن وا ك ت ب ع ل ي ك م ال ق ص اص ف ي ال ق ت ل ى{ فخفف اهلل تعالى الحكم في حق الذي قتل خطأ من القصاص إلى الدية لقوله تعالى: { و م ن ق ت ل م ؤ م ن ا خ ط أ ف ت ح ر ير ر ق ب ة م ؤ م ن ة و د ي ة )5( م س ل م ة إ ل ى أ ه ل ه }. -2 وبالنسبة للدية في القتل العمد تقع على شخص القاتل, أما في القتل الخطأ فإنها تقع على عاقلته. ( 1 ) التقرير والتحبير: ابن أمير الحاج 271/2. ( 2 ) التقرير والتحبير: ابن أمير الحاج 271/2, الموسوعة الفقهية الكويتية 111/7. ( 1 ) التعريفات: الجرجاني.79/1 ( 1 ) البقرة: اآلية.178 ( 5 ) النساء: اآلية.92 ( 1 ) بداية المجتهد: ابن رشد 177/2, والمغني: ابن قدامة /7, وكشاف القناع: البهوتي 59 /

25 الفصل األول مفهوم الضرر والخطأ والتعويض في الشريعة اإلسالمية -1 الدية في القتل العمد حال ة غير مؤجلة, فالجمهور من فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة بأنها تجب في مال القاتل حالة غير مؤجلة وال منجمة, ويرى الحنفية التفريق بين الدية التي تجب بالصلح, فيجعلونها حالة في مال القاتل, وبين التي تجب بسقوط القصاص بشبهة, كما إذا قتل األب ابنه عمدا, فإنها تجب في مال القاتل في ثالث سنين, وذلك قياسا على القتل الخطأ, أما الدية في أري جمهور الفقهاء أنها تكون مؤجلة لمدة ثالث سنوات, يؤخذ في كل سنة ثلث الدية, ويجب في )5( آخر كل سنة, وهو أري األئمة األربعة. ثالثا : المخطئ يضمن ما ترتب على خطئه من ضرر أو تلف ألن التعويض في الشريعة اإلسالمية مترتب على نفس الفعل, وليس مبناه القصد من القيام بالفعل ألننا لو قلنا أن كل من ال يقصد القيام بالفعل ال يؤاخذ, فهذا معناه أن نسقط حقوق العباد, وباستق ارء الشريعة اإلسالمية نجدها قائمة على حفظ حقوق العباد من اإلهدار, أما اإلثم, أي األثر األخروي للفعل فإن الشريعة اإلسالمية جعلته مبنيا على مقاصد العباد, فكان العمد والخطأ هو أساس الثواب والعقاب, والخطأ يقع في الدائرة التي ال يسيطر عليها اإلنسان, فيكون ضمن دائرة القضاء والقدر, التي يجب أن يسلم المرء بها, وال يؤاخذ عليها. ( 1 ) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: الدسوقي 250/1 وما بعدها. ( 2 ) مغني المحتاج: الشربيني 95/1 وما بعدها ( 1 ) الروض المربع: البهوتي 117/2 وما بعدها. ( 1 ) فتح القدير: الكمال بن الهمام 201/9 وما بعدها. فتح القدير: الكمال بن الهمام 201/9 وما بعدها, وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير: الدسوقي 250/1 وما بعدها, ) 5 ( ومغني المحتاج: الشربيني 95 / 1 وما بعدها, والروض المربع: البهوتي 117 2/ وما بعدها. ( 1 ) سبل السالم: الصنعاني 171/1. 02

26 الفصل األول مفهوم الضرر والخطأ والتعويض في الشريعة اإلسالمية ويتضمن ثالثة مطالب: المبحث الثاني: مفهوم الضرر. المطلب األول: حقيقة الضرر. المطلب الثاني: أنواع الضرر. المطلب الثالث: شروط الضرر الموجب للتعويض. 03

27 الفصل األول مفهوم الضرر والخطأ والتعويض في الشريعة اإلسالمية المطلب األول: حقيقة الضرر. الفرع األول: الضرر لغة. الضرر لغة هو كل نقص يدخل على األعيان, ويستعمل الضرر في اللغة لمعان أخرى, مثل :." يسميه أهل اللغة " أذى ", وعندما يكون كبي ار يسمونه " ضر ار في جاء 1- الشر عندما يكون يسي ار تاج العروس: " األذى: الشر الخفيف, فإن ازد فهو ضرر". 2- كل ما كان من سوء حال وفقر, في بدن, فهو ض ر, وما كان ضد للنفع فهو ض ر, مثل قوله تعالى: }و أ يوب إ ذ ن اد ى ربه أ ن ي مسني الض ر و أ نت أر حم الر اح م ين }. الفرع الثاني: الضرر اصطالحا. في الحقيقة أن المعنى االصطالحي للضر ال يخرج عن المعنى اللغوي, من كونه" كل نقص يدخل على األعيان" وقد ذكر العلماء صو ار للضرر تعبر عنه, منها: الصورة األولى: الضرر نقيض المنفعة. وفي هذه الصورة من التعريفات عرفوا الشيء بنقيضه, فالضرر نقيض المنفعة, كما أن الفرح نقيض الحزن, ومن هذه التعريفات: )5( 1- الضرر ما ينفعك ويضر صاحبك. -2 هو األلم الذي ال نفع فيه يوازيه أو يربي عليه, وهو نقيض النفع. ( 1 ) تهذيب اللغة: األزهري 111/11, مختار الصحاح: ال ارزي 181/1, لسان العرب: ابن منظور 182/1, تاج العروس: الزبيدي 158/12, المعجم الوسيط: مجمع اللغة العربية 518/1. ( 2 ) الم ارجع السابقة نفسها ( 1 ) الزبيدي.59/17 ( 1 ) األنبياء: اآلية.81 ( 5 ) معين الحكام: علي بن خليل الحنفي 212/1. ( 1 ) أحكام القرآن: ابن العربي المالكي 15/1. 04

28 الفصل األول مفهوم الضرر والخطأ والتعويض في الشريعة اإلسالمية -1 أ ن ي د خ ل على غيره ضرر ا بما ينتفع هو به. الصورة الثانية: الضرر بمعنى إيقاع الفساد على الغير. ومن التعريفات التي تدل على هذا المعنى: إلحاق مفسدة بالغير من غير جهة االعتداء بالمثل واالنتصار للحق. الصورة الثالثة: إنقاص المرء حق أخيه. فعرفه مجموعة من الفقهاء بأن " ينقص الرجل أخاه شيئا من حقوقه". والمالحظ على هذه الصور نجدها هي صور من صور النقص الذي يلحق األعيان, فهي ال تخرج عن المعنى اللغوي. الفرع الثالث: األلفاظ ذات العالقة: أوال : األذى. )5( األذى لغة هو المكروه اليسير, ويطلق اصطالحا على الضرر البسيط, فعله واألذى ح ارم, وتركه ما لم يعارض بما هو أشد, فعندئذ يرتكب األذى, عمال بالقاعدة: يرتكب أخف الضررين التقاء واجب, )7( أشدهما. الفرق بين األذى والضرر: أوال : التشابه بين األذى والضرر. ( 1 ) جامع العلوم والحكم: ابن رجب الحنبلي 212/2. ( 2 ) فيض القدير: المناوي 111/1, المجالس السنية في الكالم على األربعين النووية: أحمد بن الشيخ حجازي 199. فيض القدير: المناوي 111/1,شرح األحاديث األربعين: التفتا ازني 251, والمناوي له تعريفان ( 1 (المنتقى: الباجي,10/1 لذلك ذكرته مرتان. ( 1 ) تاج العروس: الزبيدي.59/17 ( 5 ) الموسوعة الفقهية الكويتية.151/2 ( 1 ) الدر المختار: الحصفكي, وحاشية ابن عابدين 111/2. ( 7 ) الدر المختار: الحصفكي, وحاشية ابن عابدين 111/2. 05

29 الفصل األول مفهوم الضرر والخطأ والتعويض في الشريعة اإلسالمية المالحظ على أن األذى والضرر هما نوعان من أنواع الشر الذي يلحق األعيان, ففيهما يلحق النقص األعيان. ثانيا : الفرق بين األذى والضرر. 1- الشر عندما يكون يسي ار يسميه أهل اللغة أذى, وعندما يكون كبي ار يسمونه ضر ار. 2- الفقهاء يفرقون في االستخدام بين األذى والضرر, فيقولون على المسلمين في طوافهم بالبيت الح ارم أن ال يؤذوا أحدا, ويقولون على الصائم أن ال يفطر إال إذا كان يتضرر من صيامه. 1- وفي مجال بحثنا نقول: تعويض الضرر, وال نقول تعويض األذى ألن الذي يترتب عليه التعويض هو الضرر وليس األذى. ثانيا : التعدي. التعدي لغة: مجاوزة الحد والظلم, واعتبر الظلم تعديا ألن فيه مجاوزة للحد وشرعا : مجاوزة ما ينبغي أن يقتصر عليه واالعتداء, والضابط الذي يحدد معيار التجاوز هو الشرع أو العرف. عبارة عن نوع من أنواع الضرر وهو متفرع عن الضرر, لذلك عندما سنتكلم عن شروط الضرر الموجب للتعويض, فإنه يشترط في هذا الضرر أن يكون تعديا. ثالثا : اإلتالف. )5( اإلتالف لغة: إفناء الشيء بإس ارف, واصطالحا هو: "إخ ارجه من أن يكون منتفع ا به منفعة مطلوبة منه عادة". ( 1 ) تاج العروس: الزبيدي.59/17 ( 2 (تهذيب اللغة:األزهري.19/1 ( 1 ) تفسير ال ارزي.191/5 ( 1 ) الموسوعة الفقهية الكويتية.222/28 ( 5 (تهذيب اللغة:األزهري.202/11 ( 1 ) بدائع الصنائع: الكاساني.111/7 06

30 الفصل األول مفهوم الضرر والخطأ والتعويض في الشريعة اإلسالمية واإلتالف نوع من أنواع الضرر, وال يطلق إال إذا تم تعطيله ولم يعد له إمكانية االستعمال في العادة لذا يكون بين الضرر واإلتالف عموم وخصوص, فالضرر أعم من اإلتالف, أما اإلتالف فهو أخص من الضرر. لذلك اإلتالف بغير وجه حق يعتبر من موجبات التعويض بشرط أن يكون الشيء المتلف ماال, وأن يكون ماال متقوما, وأن يكون المتلف من أهل وجوب الضمان عليه, وأن يكون في الوجوب فائدة, فال فائدة في إتالف مال الحربي. المطلب الثاني: أنواع الضرر. الناظر في كالم الفقهاء قديما وحديثا للضرر يجد أنهم ذكروا أنواعا كثيرة للضرر, وهذه األنواع تصب في نوعين, وهما: النوع األول: الضرر المادي. والضرر المادي هو األذى الذي يصيب اإلنسان في ماله أو في جسمه, وبالنسبة لألموال ينتج عن األذى خسارة, وبالنسبة للجسم إما أن تسبب تشويها أو عج از أو نقصا, قسمان وهما: وبناءا على ذلك يكون للضرر المادي أوال : الضرر المالي: هو كل تعدي يسبب خسارة مالية سواء كانت هذه الخسارة بنقص في عينها أو منفعتها أو زوال بعض أوصافها, فهذا يؤدي إلى اإلنقاص من قيمتها. ثانيا : الضرر البدني: وهو ما يصيب المرء في بدنه من ج ارح أو تشويه ناتج عن الج ارح, أو عجز أو ضعف. ( 1 ) نهاية المحتاج: الرملي.18/8 ( 2 ) الضمان في الفقه اإلسالمي: علي الخفيف 18. ( 1 ) التعويض عن الضرر في الفقه اإلسالمي وعالقته بتعويض الكوارث الطبيعية في النظام السعودي: محمد بن عبد العزيز أبو عباة 119,120. ( 1 (الضمان في الفقه اإلسالمي: علي الخفيف

31 الفصل األول مفهوم الضرر والخطأ والتعويض في الشريعة اإلسالمية النوع الثاني: الضرر المعنوي. يطلق بعض العلماء على الضرر المعنوي مصطلح )الضرر األدبي(, وهو ضرر غير محسوس فال يمكن رؤية هذا الضرر أو لمسه, وهذا النوع من الضرر يلحق مكانة اإلنسان, فهو خاص بعواطف اإلنسان ومشاعره, وهذا النوع من الضرر بهذا االصطالح لم يكن معروفا عند الفقهاء القدامى بل الذين اصطلحوا عن هذا النوع من الضرر هم العلماء المعاصرون. وأبسط تعريف للضرر المعنوي أن يعرف بالمقابلة مع الضرر المادي, فهو ضرر ال يلحق بالبدن والمال, فهو اعتداء على الشرف واالعتبار كالقدح والذم والشتم والسب. ويعرفه بعض العلماء:" ما يصيب المضرور في شعوره أو عاطفته أو ك ارمته أو شرفه أو أي معنى آخر من المعاني التي يحرص عليها" هذا التعريف. وهذا التعريف عرفه القانونيون, وتعريفات الفقهاء المعاصرين ال تخرج عن وبالرغم أن الفقهاء القدامى وضعوا قواعد عامة تبين أحكام الضرر األدبي إال أنهم لم يتطرقوا له بشكل مباشر, وهذا أدى إلى وقوع خالف بين العلماء المعاصرين في مشروعية التعويض عن الضرر المعنوي, فمن العلماء من اعتبر الضرر المعنوي مثل الضرر المادي من حيث كونهما موجبان للتعويض. )5( ومنهم من قال بعدم مشروعية التعويض عن الضرر األدبي ألن الشريعة أتت بأحكام في الفعل الضار سواء في النفس أو العرض أو الشرف ما يكفي لجبر الضرر ورد االعتداء. ( 1 ) التعويض عن الضرر األدبي الناجم عن جرم: د.فواز صالح, ضمن مجلة جامعة دمشق للعلوم االقتصادية والقانونية, المجلد 22, العدد الثاني 2001, ص 271. ( 2 ) الوسيط في شرح القانون المدني الجديد: السنهوري 79/2. ( 1 ) الضمان في الفقه اإلسالمي: علي الخفيف 11, نظرية الضمان في الفقه اإلسالمي العام: فيض اهلل 92, التعويض عن أض ارر السجن الخطأ في الفقه والنظام: إب ارهيم الحيدر 11. ( 1 ) المسؤولية المدنية والجنائية على فعل الغير في الشريعة اإلسالمية: شلتوت 15, ضمان العدوان في الفقه اإلسالمي: س ارج 151, نظرية الضمان في اإلسالمي العام: فيض اهلل 92. ( 5 (الضمان في الفقه اإلسالمي: علي الخفيف 11, الفعل الضار: الزرقا 19 وما بعدها. 08

32 الفصل األول مفهوم الضرر والخطأ والتعويض في الشريعة اإلسالمية والحقيقة عند النظر في التعويض عن الضرر األدبي يجد أنه من العقوبات التعزيرية باإلجمال, إال القذف فإنه عقوبة حدية, ففي القذف ال يجوز للقاضي أن يفرض عقوبة غير العقوبة التي حددها اهلل تعالى, أما في باقي األض ارر فإنها تخضع لنظر القاضي, فإن أرى التعويض عن الضرر المعنوي قضى به, وان لم ير فله ذلك, بناءا على جلب المصالح ودرء المفاسد. المطلب الثالث: شروط الضرر الموجب للتعويض. يشترط في الضرر مجموعة من الشروط حتى يكون موجبا للتعويض في الشريعة اإلسالمية, وهي : أوال : التعدي. والتعدي هو تجاوز الحد, أو ما يسمح به الشرع وذكرنا سابقا أن التعدي نوع من أنواع الضرر, والضرر هو العمود الفقري لعملية التعويض, والتعدي يعتبر شرطا للتعويض إذا كان متسببا, عمال بالقاعدة الفقهية "المتسبب ال يضمن إال إذا تعدى" سواء كان عامدا أم مخطئا, قاصدا أم غير قاصد. ثانيا : أن يكون الضرر محققا. ومعنى كون الضرر محققا أن يكون الضرر قد وقع بالفعل حتى يصح التعويض, فالعالقة بين الضرر والتعويض عالقة سببية, وال يتقدم المتسبب على السبب بحال, واال لم يكن سببا له, فالسبب يفضي إلى مسببه, وبناء )5( على ذلك إن لم يحدث الضرر فال تعويض. ثالثا : أن يكون الضرر مباش ار أو تسببا. ( 1 ) هذا الكالم على خالف أري الشافعية, فإن الشافعية يقولون: بجواز التعويض عن حد القذف إذا تصالحوا مع أولياء المقذوف, والذي أختاره أري الجمهور, روضة الطالبين وعمدة المفتين: النووي 210/ /7,18 انظر: الضمان في الفقه اإلسالمي: علي الخفيف الفقه اإلسالمي وأدلته: وهبة الزحيلي وما بعدها, ) 2 ( التعويض عن الضرر األدبي: باسل قبها 11. ( 1 ) تفسير ال ارزي.191/5 ( 1 ) الفقه اإلسالمي وأدلته: وهبة الزحيلي 5111/7. ( 5 (الضمان في الفقه اإلسالمي: علي الخفيف

33 الفصل األول مفهوم الضرر والخطأ والتعويض في الشريعة اإلسالمية والمباشرة في الفعل الضار معناها أن ال يتخلل بين فعله والضرر فعل مختار, فالمباشرة توجب الضمان لم وان يكن هناك تعد, أما إذا وقع الضرر تسببا فال يلزم التعويض إال إذا تحص ل التعدي, ويشترط أن ال يتخلل بين السبب والمسبب فعل شخص آخر حتى يجب عليه التعويض. اربعا : أن ينطوي الضرر على إخالل بمصلحة أو حق ثابت للمضرور. فالضرر الذي يوجب التعويض هو ذاك النوع من الضرر الذي يصيب الشخص في حق من حقوقه, أو مصلحة مشروعة له سواء تعلق بحقه في سالمة جسمه أو ماله أو حريته أو حقه في االنتفاع بشيء, فال يشترط في الحق أن يكون حقا ماليا فقط حتى يوجب التعويض بل إن باقي الحقوق كفلتها الشريعة اإلسالمية وحمتها. خامسا : أن ال يكون الضرر سبق التعويض عنه. الغاية من التعويض هو التخفيف عن المضرور, وليست الغاية من التعويض إث ارء المضرور, فإذا ثبت الحق للمضرور وتم القضاء له, فال يحق له أن يقدم نفس الدعوى مرة أخرى ليأخذ نفس الحق, إال إذا )5( اختلفت مالبسات الدعوى, فحينها يجوز ألنه يكون قدم دعوى جديدة, وهذا الشرط موجود عند القانونيين, ولكنه ال يعارض الشريعة اإلسالمية, فالشريعة اإلسالمية أثبتت أنه ال يجوز إثبات حكمين في محل واحد. ( 1 ) غمز عيون البصائر في شرح األشباه والنظائر: الحموي 111/1. ( 2 ) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق: الزيلعي, وحاشية الشلبي 119/1. ( 1 ) نظرية الضمان: وهبة الزحيلي 28. ( 1 ) التعويض عن الضرر األدبي: باسل قبها 11. ( 5 ) المسؤولية المدنية: أنور طلبة 102/1. 21

34 الفصل األول مفهوم الضرر والخطأ والتعويض في الشريعة اإلسالمية المبحث الثالث: عالقة السببية. ويتضمن ثالثة مطالب: المطلب األول: حقيقة عالقة السببية. المطلب الثاني: حقيقة اإلفضاء. المطلب الثالث: العالقة السببية بين الخطأ والضرر في تنفيذ القصاص ووجوب التعويض لتحققها. 20

35 الفصل األول مفهوم الضرر والخطأ والتعويض في الشريعة اإلسالمية المطلب األول: حقيقة عالقة السببية. الفرع األول: السببية لغة. تعر ف السببية في اللغة بأنها العالقة بين السبب والمسبب, وتعر ف أيضا اسم لما يتوصل به إلى المقصود, فسميت الطريق سببا ألنها توصلك إلى المقصود, فعالقة السببية تبين العالقة بين السبب والنتيجة. الفرع الثاني: عالقة السببية اصطالحا. أوال : العالقة السببية في اصطالح الفقهاء: مصطلح العالقة السببية لم يكن معروفا عند الفقهاء المتقدمين بهذا االصطالح, والذين تعارفوا عليه بهذا االصطالح هم القانونيون, لكن هناك كثير من الفقهاء المعاصرين اعتبروا أن العالقة السببية ركن من أركان المسؤولية التي يؤاخذ بها المخطئ في خطئه, يقول الدكتور عبد اهلل محمد عبد اهلل:" تشترط كذلك في الفقه اإلسالمي أن توجد عالقة سببية بين التعدي أو الخطأ وبين الضرر الذي لحق بالمصاب حتى تكون هناك مسؤولية عن حد الضرر, فلو وضع إنسان س م ا في طعام أحد وقبل سريان السم فيه أتى شخص آخر وقتله فهنا خطأ وهو وضع السم, وضرر وهو موت المصاب, ولكن لم تتحقق اربطة السببية, إذ الموت حصل من إطالق النار ال من وضع السم, فوجد الخطأ, ولكن انقطعت اربطة السببية, فال مسؤولية على الفاعل". وفي الحقيقة إن الفقهاء وضعوا اصطالحا قريبا من اصطالح العالقة السببية, وهو مصطلح اإلفضاء, فالفقهاء وضعوا ثالثة أركان الستحقاق التعويض, وهي : 1- األذى: ويعبر عنه بالضرر. 2- التعدي: بأن يكون تعديا بغير حق ألن الجواز ينافي الضمان. ( 1 ) المعجم الوسيط: مجمع اللغة العربية بالقاهرة 112/1. ( 2 ) القاموس المحيط: الفيروز آبادي 91/1, التعريفات: الجرجاني 177/1, الكليات: الكفوي 195/1. ( 1 ) بحث بعنوان: حوادث السير: د.عبد اهلل محمد عبد اهلل, في مجمع مجلة الفقه اإلسالمي, 191/8. ( 1 ) ضمان العدوان في الفقه اإلسالمي: محمد س ارج 155, التعويض عن الضرر في الفقه اإلسالمي وعالقته بتعويض أض ارر الكوارث الطبيعية في النظام السعودي: محمد أبو عباة

36 الفصل األول مفهوم الضرر والخطأ والتعويض في الشريعة اإلسالمية 1- اإلفضاء: وعبر عنه بعض الفقهاء المعاصرين بالعالقة السببية. ثانيا : عالقة السببية في اصطالح القانونيين: القانونيون اعتبروا أنه حتى ي لزم المخطئ بالتعويض عن خطئه, ال بد من توافر ثالثة أركان, وهي: 1- الخطأ. 2- الضرر. 1- العالقة السببية بين الخطأ والضرر. فإن لم تتوفر هذه األركان الثالثة في الفعل فال يعتبر حينها مقص ار, فال تقع عليه المسؤولية التقصيرية فال يجب عليه التعويض, يقول السنهوري:" إن عالقة السببية ما بين الخطأ والضرر معناها أن توجد عالقة مباشرة ما بين الخطأ الذي ارتكبه المسؤول, والضرر الذي أصاب المضرور, والسببية هي ركن مستقل عن ركن الخطأ, وآية ذلك أنها قد توجد وال يوجد الخطأ". والحقيقة إن تعريف القانونيين للعالقة السببية ال يخرج عن التعريف اللغوي للسبب, فالعالقة السببية تعرف بأنها ال اربطة بين الفعل والنتيجة, فالعالقة السببية هي العالقة بين السبب وهي هنا الخطأ, وبين النتيجة وهي هنا الضرر. ثالثا : ال ارفضون الستخدام مصطلح العالقة السببية: هناك بعض العلماء المعاصرين رفضوا استخدام مصطلح العالقة السببية بين الخطأ والضرر لوجوب التعويض, وذلك لعدة اعتبا ارت متعلقة بأركان المسؤولية التقصيرية, وهي : االعتبار األول: بالنسبة للخطأ: ( 1 ) الوسيط /1 ( 2 ) فتااااااااااااااااااااااوى الشااااااااااااااااااااابكة اإلساااااااااااااااااااااالمية: فتاااااااااااااااااااااوى رقااااااااااااااااااااام: 1/21, , ارباااااااااااااااااااااط الفتااااااااااااااااااااااوى:, واألمثلة ساقتها الفتوى من كتاب: روضة الطالبين وعمدة المفتين: النووي 1/5. 23

37 الفصل األول مفهوم الضرر والخطأ والتعويض في الشريعة اإلسالمية فإن الفقهاء اعتبروا في الخطأ القصد من عدمه, فقد عرف الفقهاء الخطأ: "كل ما وقع من فاعله من غير قصد وال إ اردة" في حين أن القانونيين يعتبرون أن الخطأ من المسؤولية التقصيرية ألن المخطئ قصر وفرط فاستحق بذلك عقوبة التعويض. االعتبار الثاني: بالنسبة للضرر: التعويض في الشريعة اإلسالمية ليس مالزما لحصول الضرر, فقد يقع الضرر وال يجب التعويض, فمثال : اإلتالف نوعان: إتالف مشروع, واحدا, واتالف غير مشروع, أما اإلتالف غير مشروع فيترتب عليه التعويض قوال أما اإلتالف المشروع فيترتب عليه التعويض إن كان حقا للغير في بعض الصور, كمن أكل من مال غيره بدون إذنه مضط ار, فإنه ال يأثم وعليه التعويض عما أكله, لكن اإلتالف المشروع في أصله ال يوجب التعويض, فمن أتلف الخمر أو قتل الخنزير للمسلم فليس عليه التعويض. االعتبار الثالث: بالنسبة للعالقة السببية. ففي الشريعة اإلسالمية قد تتحقق العالقة السببية بين الضرر والخطأ وال يجب التعويض, ومن األمثلة التي تدل على ذلك : رجل باب الحرز لغيره, أو دل رج ل غي ر ه على مكان السرقة, فسرق غيره, فهنا تحققت العالقة بحيث 1- لو فتح السببية, إنه لوال أنه هو دل على مكانه, أو لوال فتحه لباب الحرز لما استطاع السارق أن يسرق, ولما عرف السارق ما يسرق, ومع أنه كان السبب في السرقة إال أنه ال يجب عليه التعويض, وانما التعويض على من باشر السرقة. 2- لو أن رجال أمر غيره بأن يغصب ملك غيره, فنفذ غيره الغصب, فهنا تحققت العالقة السببية بين األمرين, إال أن التعويض يجب على المباشر ال اآلمر. 1- لو بنى رجل دا ار, فألقت الريح في داره ثوبا, فبعد أن دخل في داره ضاع الثوب, فال تعويض على بان الدار, مع كونه هو السبب في ضياع الثوب ببناء داره. ( 1 ) الكافي.1101/2 ( 2 ) العزيز شرح الوجيز: ال ارفعي 115/12. ( 1 (األمثلة ساقتها الفتوى من كتاب: روضة الطالبين وعمدة المفتين: النووي 1/5. 24

38 الفصل األول مفهوم الضرر والخطأ والتعويض في الشريعة اإلسالمية اربعا : تحقيق مسألة قيود األخذ بمصطلح العالقة السببية. في الشريعة اإلسالمية هناك قيود ألخذ أي مصطلح ليس مصدره الشريعة اإلسالمية, فعند أخذ أي مصطلح ال بد من م ارعاة قيدين, وهما : القيد األول: أن ال يكون المعنى الذي اصطلح عليه أصحاب المصطلح يخالف الشريعة اإلسالمية. فالقرآن استخدم بعض المصطلحات ذات األصول غير العربية, مثل: قرطاس وقسطاس وسجيل, فيجوز لنا أن نستخدم مصطلح الدستور والقانون ألن معناهما ال يخالف الشريعة اإلسالمية, فيجوز أن تقول: دستور إسالمي, أي أن المواد التي فيه مستنبطة من اإلسالم. واذا كان المصطلح يخالف الشريعة اإلسالمية فال يجوز لنا أن نستخدمه, مثل: االشت اركية والعلمانية, فال يجوز لنا أن نقول: اشت اركية إسالمية, بمعنى االشت ارك اللغوي ألن االشت اركية لها معنى اصطالحي معروف, وكذلك العلمانية. القيد الثاني: أن ال نضع للمصطلح معنى غير المعنى الذي اصطلح عليه واضعوه. فاهلل تعالى ذم على الكفار استخدامهم للفظ البيع بدل الربا, فقد قال تعالى:} ال ذ ين ي أ ك ل ون الر ب ا ل ا ي ق وم ون إ ل ا ك م ا ي ق وم ال ذ ي ي ت خ ب ط ه الش ي ط ان م ن ال م س ذ ل ك ب أ ن ه م ق ال وا إ ن م ا ال ب ي ع م ث ل الر ب ا و أ ح ل الل ه ال ب ي ع و ح ر م الر ب ا{, فاآلية نهي جازم عن استخدام مصطلح الربا في محل البيع, أو العكس. فال يجوز لنا أن نفرغ المعنى من مضمونه الذي تصالح عليه أهله, ونضع له مضمونا يتوافق مع اإلسالم, فهذا يعتبر من التلبيس على الناس, ومن باب تسمية األشياء بغير أسمائها. وبالنسبة لمصطلح العالقة السببية نجد أنه يحتوي مضمونا ال يخالف الشريعة اإلسالمية, فمصطلح العالقة السببية الم ارد به أن تكون العالقة بين الضرر والخطأ عالقة السبب بالنتيجة, وهذا األمر هو المعتبر عند الفقهاء في ترتب التعويض للضرر الناشئ عن الخطأ, فإن لم تتحقق هذه العالقة فال يجب التعويض, ( 1 ) انظر: مفاهيم إسالمية: محمد حسين عبد اهلل 1/1, نشوء الحضارة اإلسالمية: أحمد القصص 7. ( 2 ) البقرة: اآلية

39 الفصل األول مفهوم الضرر والخطأ والتعويض في الشريعة اإلسالمية وقد نص كثير من الفقهاء على وجوب تحقق هذه العالقة, وكثير ما يعبر الفقهاء عن ذلك بقولهم أن ال يتخلل بين السبب والمسبب فعل آخر. لكن ال بد من م ارعاة بعض المالحظات: 1- أما بالنسبة العتبار الضرر ليس موجبا للتعويض, فقد يتحقق الضرر وال يتحقق التعويض, فهذا قول صحيح, فحتى القانونيين لم يقولوا: إن كل ضرر يوجب التعويض, لكن محل االختالف بين القانون والشريعة, ما هي الضوابط التي بها يجب التعويض, فالخمر إن أتلفها شخص فإنه يضمن في القانون, وال يضمن في الشريعة إن كان للمسلم ألنه في الشريعة ال يعتبر ماال. 2- إن القول بأن استخدام العالقة السببية خاطئ لكونه قد تتحقق في الشريعة اإلسالمية وال يجب التعويض هو قول يفتقر إلى الدقة ألنه حتى القانونيين لم يقولوا باألخذ بالعالقة السببية دون قيود, بل وضعوا لها قيودا وموانع, وكذلك في الشريعة اإلسالمية فإن للعالقة السببية قيودا وموانع معتبرة. المطلب الثاني: حقيقة اإلفضاء. والسبب في كالمي عن حقيقة اإلفضاء هو كونها الم اردف في اصطالح الفقهاء للعالقة السببية, فالفقهاء كثي ار ما يعبرون عن العالقة السببية باإلفضاء. الفرع األول: اإلفضاء لغة. اإلفضاء في اللغة له معان كثيرة لكن المعنى الذي يتناسب هنا, أن اإلفضاء بمعنى الوصول إلى الشيء,. فتقول: أفضيت إلى الشيء, أي وصلت إليه الفرع الثاني: اإلفضاء اصطالحا. انظر: المبسوط: السرخسي 22/15, مواهب الجليل في شرح مختصر خليل: الحطاب 215/1, الشرح الكبير: الدردير ) 1 ( وحاشية الدسوقي 250/1, الفقه اإلسالمي وأدلته: الزحيلي 1811/1. ( 2 ) المصباح المنير: الفيومي 171/2. 26

40 الفصل األول مفهوم الضرر والخطأ والتعويض في الشريعة اإلسالمية ال يخرج المعنى االصطالحي عن المعنى اللغوي إال بوضع قيود العتبار اإلفضاء موجبا للتعويض, وهذه القيود هي : 1- أن ال يوجد للضرر أو اإلتالف سبب غيره, سواء أكان هو المباشر أم المتسبب. 2- أن ال يتخلل بين الخطأ والضرر فعل فاعل مختار, واال أضيف الفعل للمباشر, دون المتسبب. فهذه القيود التي وضعها الفقهاء لإلفضاء تعتبر قيودا شرعية للعالقة السببية ألن اإلفضاء هو الم اردف للعالقة السببية. المطلب الثالث: العالقة السببية بين الخطأ والضرر في تنفيذ القصاص ووجوب التعويض لتحققه. بينا سابقا أنه ال بد من تحقق العالقة السببية بين الخطأ والضرر حتى يجب التعويض, وذلك بتحقق القيود وهي: المعتبرة, 1- أن ال يوجد للضرر أو اإلتالف سبب غيره. 2- أن ال يتخلل بين الخطأ والضرر فعل فاعل مختار. وهذا األمر ينطبق على الضرر الناشئ عن الخطأ في تنفيذ القصاص, فإن لم تثبت العالقة السببية بين الخطأ والضرر فال يجب التعويض في تنفيذ القصاص. ويمكن تعريف العالقة السببية في الخطأ في تنفيذ القصاص: هو أن يكون الضرر نتيجة طبيعية للخطأ في تنفيذ القصاص, بحيث يكون الضرر نتيجة مباشرة لهذا الخطأ, سواء كان الخطأ من قبل الشهود أو القاضي أو منفذ القصاص, فال يكون الضرر ناتجا السببية فال يجب التعويض. عن سبب أجنبي, فحينها تنعدم السببية, واذا انعدمت وهنا ال بد من الحديث عن موانع ال اربطة السببية )اإلفضاء(, فإذا حدث مانع من هذه الموانع فال تتحقق العالقة السببية, وهي: ( 1 (الموسوعة الفقهية الكويتية /28, الفقه الجنائي في اإلسالم: أمير عبد العزيز

41 الفصل األول مفهوم الضرر والخطأ والتعويض في الشريعة اإلسالمية 1- الحادث الفجائي )القوة القاهرة(: كأن يكون الحدث غير متوقع, ويستحيل دفعه, ويعبر عن هذا في كتب الفقه: بعدم إمكانية االحت ارز منه للقاعدة الفقهية التي تقول:" كل ما ال يمكن االحت ارز منه ال ضمان فيه". 2- خطأ المضرور نفسه : ألن التعويض هو حق للغير, فأن يوقع المرء الضرر بنفسه فال يتصور واقعا أن يعوض المرء نفسه. ( 1 ) نظرية الضمان: وهبة الزحيلي 15, المسؤولية المدنية والجنائية في الشريعة اإلسالمية: شلتوت 12, مجمع مجلة الفقه اإلسالمي, بحث: حوادث السير: عبد اهلل محمد عبد اهلل 191/8. ( 2 ) مجمع الضمانات: غياث 150, مجمع مجلة الفقه الفقه اإلسالمي, بحث: حوادث السير: عبد اهلل محمد عبد اهلل.195/8 28

42 الفصل األول مفهوم الضرر والخطأ والتعويض في الشريعة اإلسالمية ويتضمن مطلبين: المبحث ال اربع: مفهوم التعويض. المطلب األول: حقيقة التعويض. المطلب الثاني: مشروعية التعويض. 29

43 الفصل األول مفهوم الضرر والخطأ والتعويض في الشريعة اإلسالمية المطلب األول: حقيقة التعويض. الفرع األول: التعويض لغة. التعويض في أصل اللغة تطلق على الخلف والبدل, ويطلق على معان أخرى مثل: 1- الهبة خي ار, فتقول: عوضته, من وهبته خي ار الدهر والزمان, قال الزبيدي: و ض من لفظ ع الذي هو الدهر". )5( الصلة, فتقول: اعتاضه: جاءه طالبا للعوض والصلة. "مأخوذ من عبارة ابن جني. ونص ما قاله ينبغي أن تعلم أن ال عو ض 1- البيع واألخذ واإلعطاء, فتقول: عاوضت فالنا بعوض, أي أعتضته مما أعطيته, فالبيع عبارة عن عقد معاوضة. الفرع الثاني: التعويض اصطالحا : بعد البحث في كتب الفقهاء القدامى لم أقف على تعريف اصطالحي للتعويض ألنهم كانوا يستخدمون مصطلح الضمان وليس مصطلح التعويض. وفي البحث عنونت البحث بمصطلح التعويض بدل الضمان وذلك لسببين, وهما: ( 1 ) تهذيب اللغة: األزهري 11/1, معجم مقاييس اللغة: ابن فارس 188/1, تاج العروس: الزبيدي 111/18. ( 2 ) تهذيب اللغة: األزهري 11/1, معجم مقاييس اللغة: ابن فارس 188/1. ( 1 ) تهذيب اللغة: األزهري 15/1, معجم مقاييس اللغة: ابن فارس 189/1, تاج العروس: الزبيدي 118/ ( 1 ) تاج العروس.118/18 ( 5 ) تاج العروس: الزبيدي.119/18 ( 1 ) تهذيب اللغة: األزهري.11/1

44 الفصل األول مفهوم الضرر والخطأ والتعويض في الشريعة اإلسالمية أوال : أن أكثر الفقهاء يستعملون مصطلح الضمان بمعنى الكفالة, على أنهما لفظتان مت اردفتان, ويستعملون اسم الضمان فيما هو أعم من ذلك, وهو ضمان المال بعقد وبدون عقد, كاالعتداء, لكن التعويض ال يطلق على الكفالة بحال. فيطلق الضمان على معنيين: األول: الكفالة, الحقيقة أن الضمان بمعنى الكفالة غير صحيح ألن الكفالة هي من آثار الضمان, فالكفيل ضامن, فالعلماء الذين أطلقوا على الكفالة لفظ الضمان كان من إطالق اسم الشيء على آثاره ونتائجه. الثاني: الغرم, أي ما يتحمله الغارم عند إتالف شيء بمثله إن كان مثليا, وبقيمته إن كان قيميا, وهذا المعنى للضمان هو الذي نريده في بحثنا, وهو التعويض المالي, والى هذا مال الحنفية في تعريف الضمان. ثانيا : أن مصطلح التعويض عند المعاصرين أصبح دارجا كثي ار, وكثيرة هي الكتب التي صدرت بعنوان التعويض. لذلك أرى الباحث أن يستخدم مصطلح التعويض بدل الضمان تحديدا لمعنى التعويض في الغرم المالي للضرر, ولدرج استخدام هذا المصطلح في الفقه المعاصر. ( 1 ) الكفالة: هي ضم ذمة الكفيل إلى ذمة األصيل في المطالبة, القاموس الفقهي لغة واصطالحا : الدكتور سعدي أبو الحبيب 121/1. ( 2 ) الضمان في الفقه اإلسالمي: علي الخفيف 5, القواعد والضوابط الفقهية في نظرية الضمان: إدريس صالح الشيخ فقهيه.11 ( 1 (مجلة األحكام العدلية مادة 111, القواعد والضوابط الفقهية في نظرية الضمان: إدريس صالح الشيخ فقهيه 11. ( 1 ) من النماذج على هذه الكتب: كتاب: التعويض عن الضرر األدبي الناجم عن جرم للدكتور: فؤاد صالح, وكتاب: التعويض عن الضرر األدبي: باسل قبها, وكتاب: التعويض عن الضرر في الفقه اإلسالمي وعالقته بتعويض أض ارر الكوارث الطبيعية في النظام السعودي: محمد أبو عباة, وبحث: الدية والتعويض بين الشريعة والقانون: الدكتور وليد عبد الخالق, وغيرها من الكتب. 30

45 الفصل األول مفهوم الضرر والخطأ والتعويض في الشريعة اإلسالمية وهنا أريد أن أنوه أنه عند ذكر تعريف التعويض سأذكر تعريفات العلماء القدامى في الضمان المتعلق بالغرم ألنه هو الم اردف لمصطلح التعويض في االستخدام المعاصر, أو سأذكر التعريف إن كان يشمل الغرم والكفالة. أوال : المذهب الحنفي. ورد عند الحنفية لفظ الضمان بمعنى الكفالة, والضمان أعم من الكفالة, والتعريف الذي يتناسب مع بحثنا هو تعريف المجلة, وهو: "رد مثل الهالك إن كان مثليا, ورد قيمته إن كان قيميا ". ثانيا : المذهب المالكي..)5( فقد عرفوا الضمان بما يشمل الكفالة, فقالوا:" الضمان هو شغل ذمة أخرى بالحق" ثالثا : المذهب الشافعي. والشافعية أيضا أدخلوا الكفالة في التعريف, فقالوا: "الت ازم حق ثابت في ذمة الغير أو إحضار عين مضمونة أو بدن من يستحق حضوره" اربعا : المذهب الحنبلي. فقد عرفوه: "هو ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في الت ازم )7( ولصاحب الحق مطالبة من شاء منهما". الحق فيثبت في ذمتهما جميعا ( 1 ) قال النسفي في كتاب طلبة الطلبة في االصطالحات الفقهية 119/1: "الكفالة: الضمان من حد وخل, وأصلها الضم, ومنه قولهم: كفل فالن فالنا, إذا ضمه إلى نفسيه يحويه ويصونه" ( 2 ) المثليات: كل ما يوجد له مثل في األسواق بال تفاوت يعتد به, بحيث ال يختلف بسببه الثمن, الدر المختار: الحصفكي 119/1, مجلة األحكام العدلية 115. ( 1 (القيمي: ما ال يوجد له مثل في األسواق, أو يوجد لكن مع التفاوت المعتد به في القيمة, مجلة األحكام العدلية 111. ( 1 ) مجلة األحكام العدلية مادة 111. ( 5 ) الشرح الكبير: الدردير وحاشية الدسوقي 111/1. ( 1 ) اإلقناع في حل ألفاظ أبي شجاع: الشربيني 112/2. ( 7 ) الشرح الكبير على متن المقنع: ابن قدامة المقدسي 70/5. 32

46 الفصل األول مفهوم الضرر والخطأ والتعويض في الشريعة اإلسالمية وبناءا على التعريفات السابقة للضمان نخرج بمجوعة من المالحظات, وهي : 1. تعريفات فقهاء المذاهب األربعة للضمان تكاد تكون م اردفة لنظرية االلت ازم في القانون. مذهبا الحنفية والمالكية الضمان عرفا بما هو أوسع من الكفالة, أي أن الضمان يشتمل على.2 الكفالة. أما مذهبا 1. الشافعية والحنابلة فيعرفان الضمان بالكفالة, بمعنى أنهما مت اردفان عند المذهبين. تعريف الفقهاء للضمان بمعنى الكفالة خارج عن موضوع التعويض الذي نتكلم عنه. بالنسبة لتعريف الضمان بالكفالة عند المذاهب له مستند شرعي, فع ن س ل م ة ب ن األ ك و ع -ر ض ي اهلل و س ل م- أ ت ي ب ج ن از ة ل ي ص ل ي ع ل ي ه ا, ف ق ال : "ه ل ع ل ي ه م ن د ي ن " ق ال وا: ع ن ه -: أ ن الن ب ي - ص ل ى اهلل ع ل ي ه ال, ف ص ل ى ع ل ي ه, ث م أ ت ي ب ج ن از ة أ خ ر ى, ف ق ال : "ه ل ع ل ي ه م ن د ي ن " ق ال وا: ن ع م, ق ال : ص ل وا )ف ص ل وا( ع ل ى ص اح ب ك م, ق ال أ ب و ق ت اد ة :. "ع ل ي د ي ن ه ي ا ر س ول اهلل ف ص ل ى ع ل ي ه ".1.5 خامسا : الفقهاء المعاصرون. بالنظر لتعريفات المعاصرين للضمان والتعويض نستطيع أن نقسم تعريفات العلماء إلى قسمين: القسم األول: استخدم مصطلح الضمان بمعناه العام, أي أنه أبقى على االستخدام القديم للضمان, لذلك يكون عندهم الضمان ليس م اردفا للتعويض, وانما هو أوسع, ويشمل الكفالة, ومن هذه التعريفات: 1- عرفه علي الخفيف بقوله:" شغل الذمة بما يجب الوفاء به من مال أو عمل". 2- عرفه فوزي فيض اهلل بقوله:" شغل الذمة بحق, أو بتعويض عن ضرر". القسم الثاني: استخدم الضمان بمعنى التعويض, ومن هذا القسم من تكلم عن تعريف الضمان بمعنى التعويض, ومنهم من عرف التعويض مباشرة. ( 1 ) انظر: القواعد والضوابط الفقهية في نظرية الضمان: إدريس صالح الفقيه 17. ( 2 ) صحيح البخاري, رقم:.91/1,2295 ( 1 ) الضمان في الفقه اإلسالمي 5/1. ( 1 ) نظرية الضمان في الفقه اإلسالمي العام